فصائل الدم ونقل الدم
منذ قديم الزمان عرف الإنسان أنّ الدم ضروري للحياة وأنه إذا فقد الكثير من الدم يكون قد عرّض حياته للخطر. ومع تطوّر العلوم في القرن التاسع عشر وبعد تطويرالمجهر الضوئي وزيادة استعماله اتضح أنّ دماء الناس لا تختلف من ناحية المظهر فكلها تتألف من نفس أنواع الخلايا ومن نفس البلازما، لذلك ظنّ العلماء أنه بالإمكان نقل الدم من شخص إلى آخر دون أن يسبب ذلك أي ضرر. غير أنّ المحاولات الأولى التي أجريت آنذاك باءت معظمها بالفشل ومات معظم الذين أجريت لهم عملية نقل دم.
في بداية القرن العشرين قام عالم نمساوي يدعى "لاندشتاينر" بإجراء دراسة واسعة استمرت عدة سنوات هدف من ورائها مقارنة دماء الناس مع بعضها ومعرفة التشابه والإختلاف بينها. وقد فعل ذلك من خلال أخذ عيّنات كثيرة من الدم وخلطها معاً لفحص فيما إذا كان هذا الخلط يؤدي إلى تجلّط الدم أم لا. نجح لاندشتاينر في تقسيم الناس إلى أربع مجموعات:
1-مجموعة تتميّز خلاياها الحمراء باحتوائها على المادة A (لم يكن لاندشتاينر يعرف طبيعة هذه المادة)، لذلك قرّر أن هؤلاء الناس لديهم فصيلة دم A .
2-مجموعة تتميّز خلاياها الحمراء باحتوائها على مادة أخرى سمّاها B (لم يكن لاندشتاينر يعرف طبيعة هذه المادة)، لذلك قرّر أنّ هؤلاء الناس لديهم فصيلة دم B .
3-مجموعة تتميّز خلاياها الحمراء باحتوائها على المادتين A و B ، لذلك قرّر أنّ هؤلاء الناس لديهم فصيلة دم AB .
4-مجموعة تتميّز خلاياها الحمراء بعدم احتوائها على المادتين المذكورتين، لذلك قرّر أنّ هؤلاء الناس لديهم فصيلة دم O (أي لا تحتوي على A ولا تحتوي على B ).
في السنوات التي تلت أبحاث لاندشتاينر تمّ التعرف على هوية هذه المواد واتضح أنها مواد كربوهيدراتية توجد في أغشية الخلايا الحمراء. هنالك الكثير من المواد التي توجد في أغشية الخلايا الحمراء لكنها قد تكون جميعها متشابهة بين الناس والإختلاف قد يكون في مادتي ال A و B فقط.
لا توجد أية أفضلية فسيولوجية لهذه المواد. فدم الشخص من الفصيلة A ليس أفضل من دم الشخص من الفصيلة B ودم الشخص من الفصيلة O ليس أفضل من دم الشخص من الفصيلة AB ، وهكذا. ألأهمية الوحيدة لهذه الفصائل هو أنه يجب أخذها بعين الاعتبار لدى إجراء نقل دم (blood infusion ).
نعرف اليوم أنّ الأشخاص الذين يحملون الفصيلة A توجد في بلازما دمهم أجسام مضادة ضد المادة B (anti-B ) ولا توجد لديهم أجسام مضادة ضد المادة A (anti- A ). ووفقاً لما نعرفه عن جهاز المناعة، فإن المادة A تعتبر عند أولئك الأشخاص مركباً ذاتياً لا يقاومه جهاز المناعة ولذلك لا يكوّن ضدها أية أجسام مضادة. أمّا المادة B فهي مركّب غير ذاتي بالنسبة لهم لذلك يستطيع جهاز المناعة أن يكوّن أجساماُ مضادة ضدها. بنفس المبدأ يمكن أن نحدد أنواع الأجسام المضادة في سائر فصائل الدم.
إذا أضفنا أجساماً مضادة من النوع anti-A إلى خلايا دم حمراء من النوع A، فإنّ هذه الأجسام المضادة ترتبط بجزيئات المادة A الموجودة في أغشية الخلايا الحمراء وتسبب تلاصق الخلايا (تسمى هذه الظاهرة تلازناً )، وعندها تظهر الخلايا الحمراء على شكل كتل.
من الواضح أنّ حقن شخص فصيلة دمه A بمصل أو بدم فيه anti-A سيؤدي إلى تلازن خلاياه الحمراء وتكوين كتل دموية قد تؤدي إلى انسداد شرايينه والتسبب في موته.
كما أنّ هذا الإرتباط بين الأجسام المضادة والأنتيجينات الموجودة على سطح الخلايا الحمراء سيفعّل إنزيمات النظام المكمّل ممّا ينتج عنه انحلال خلايا الدم الحمراء (Haemolysis ) بشكل شديد وانهيار عمل الأجهزة المختلفة عند المصاب.
نفس الظاهرة سوف تحصل فيما لو حقنا شخصاً فصيلة دمه B بمصل أو بدم فيه anti-B ، أو حقنا شخصاً فصيلة دمه AB بمصل أو بدم فيه إمّا anti-A أو anti-B (أو كلاهما). أمّا الشخص الذي فصيلة دمه O فلن يتأثر فيما لو حُقن ب- anti-A أو anti-B لأن خلاياه الحمراء لا تحتوي على أيٍ من الأنتيجينين A و B .
من حيث المبدأ، لا يجوز نقل دم من شخص إلى آخر إلا إذا تطابقا بفصيلة الدم. ولكن في بعض الحالات الطارئة المستعجلة والتي لا يتسنى فيها فحص فصيلة الدم بسرعة يمكن نقل خلايا دم حمراء.
• لا يجوز نقل دم كامل في الحالات المذكورة في الجدول لأنّ الدم الكامل يحتوي على بلازما فيها توجد الأجسام المضادة anti-A و/أو anti-B وبالتالي فإنّ هذه الأجسام المضادة ستؤثر على خلايا الدم الحمراء عند المتلقي.
فإنّ صاحب فصيلة دم O يستطيع أن يتبرع بالدم (خلايا الدم الحمراء وليس الدم الكامل) لكل أصحاب الفصائل الأخرى وذلك لأنّ خلاياه الحمراء لا تحمل الأنتيجينات AأوB ، وبالتالي فإنّ الأجسام المضادة من نوعي anti-A أو anti-B الموجودة عند المتلقي لن تؤثر على هذه الخلايا. أمّا إذا كانت فصيلة الدم AB فإنّ صاحب هذه الفصيلة لا يستطيع التبرع بالدم إلا لأصحاب نفس الفصيلة، لأنّ خلاياه الحمراء تحمل نوعي الأنتيجينات A و B وعندها الأجسام المضادة من نوعي anti-A أو anti-B الموجودة عند المتلقي سترتبط مع هذه الخلايا وتؤدي إلى تلازن وانحلال خلايا الدم. من ناحية أخرى فإنّ صاحب فصيلة AB يستطيع أن يتلقى خلايا دم حمراء من أصحاب كل الفصائل الأخرى وذلك لأن بلازما الدم عنده لا تحتوي على الأجسام المضادة من النوعين anti-A أو anti-B وبالتالي لن يحصل تأثير على الخلايا الحمراء التي يتلقاها. على نفس المبدأ نستطيع تفسير حالات نقل الدم الأخرى.
فصيلة الدم
Rh إنّ فصائل ال ABO ليست بفصائل الدم الوحيدة ولكنها الأكثر أهمية في عمليات نقل الدم، تضاف إليها من حيث الأهمية فصيلة الدم Rh .
اتضح أنّه لدى معظم الناس تحتوي أغشية الخلايا الحمراء على أنتيجين معيّن يدعى ريزوس وباختصار Rh، ولذلك نقول بأن لدى هؤلاء الناس فصيلة Rh+ (هذا بالإضافة إلى فصيلتهم من حيث ال ABO ). أمّا الناس الذين لا تحتوي أغشية خلاياهم على أنتيجين ال Rh فلديهم فصيلة Rh- . بناء على ذلك، يمكن تقسيم الناس على النحو التالي من حيث فصائل الدم:
A+، B+ ، AB+ ، O+ ، A- ، B- ، AB- ،
إذا كانت فصيلة الشخص Rh+ فأنه لا يكوّن أجساماً مضادة ضد أنتيجين ال Rh ، لأنّ هذه المادة ذاتية بالنسبة له وجهازه المناعي لا يقوم برد فعل ضدها. أمّا إذا كانت فصيلة الشخص Rh- فإنّ جهازه المناعي قادر على تكوين أجسام مضادة ضد ال Rh.
بخلاف الأجسام المضادة anti-A و anti-B، فإن الأجسام المضادة من نوع anti-Rh لا توجد في بلازما الدم منذ الطفولة وإنما تتكون فقط في حالة دخول أنتيجينات ال Rh إلى الجسم. معنى ذلك، أنه إذا فحصنا شخصا فصيلة دمه Rh- ً ولم يحقن سابقاً بخلايا حمراء فيها أنتيجين ال Rh، لا نجد في بلازما دمه anti-Rh .
ألأجسام المضادة من نوع anti-Rh تنتمي إلى فئة IgG ولذلك فإنها تستطيع العبور أثناء الحمل من خلال المشيمة إلى دم الجنين فترتبط بخلاياه الحمراء وقد تسبب له أضراراً بالغة. قد يحصل ذلك إذا كانت فصيلة الأم Rh- وفصيلة الجنين Rh+، فأثناء الولادة قد تنتقل خلايا دم حمراء من الجنين إلى الأم ممّا يسبب رداً مناعياً عندها يتمثل بتكوين أجسام مضادة من نوع anti-Rh. هذه الأجسام المضادة سيكون لها تأثير على الجنين في الحمل الثاني والذي يليه، لذلك يجب منع تكوّن هذه الأجسام المضادة. وقد اتبعوا في السنوات السابقة حقن الأم بعد الولادة مباشرة بالأجسام المضادة anti-Rh ذاتها، وذلك لأن هذه الأجسام المضادة ترتبط بخلايا الدم الحمراء التي قد تكون انتقلت من الجنين إلى الأم وتؤدي إلى انحلالها ومنع تأثيرها على جهاز المناعة التابع للأم. أمّا اليوم، فيستعملون أيضاً أجساماً مضادة ضد الanti-Rh وذلك لتدميرها ومنع تأثيرها على خلايا الدم الحمراء عند الجنين.